أشراطالساعة عبدالمحسن بن محمد القاسم دارالقاسم
|
الحمد لله معز من أطاعه واتقاه ومذل من أضاع أمره وعصاهوبعد:
فإن الإيمان باليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب أحد أركان الإسلام ومبانيهالعظام، وقد جعل الله بين يدي الساعة أشراطاً تدل على قربها، ولقد كان نبيكم
يعظم أمر الساعةفكان إذا ذكرها احمرّت وجنتاه وعلا صوته واشتد غضبه وقد أبدى فيها وأعاد. وكانالصحابة رضوان الله عليهم يتذاكرون أمر الساعة، قال حذيفة
اطلع النبي علينا ونحن نتذاكرفقال: { ما تذاكرون؟ }قلنا: نتذاكرالساعة، ولما أكثر النبي من ذكرها وتعددت الآيات بقربها أشفق الصحابة من قيامهاعليهم.
وقد ظهر كثير من أشراطها وتحقق ما أخبر به المصطفى، فكل يوم يزداد فيه المؤمنونإيماناً به وتصديقاً له، إذ يظهر من دلائل نبوته وآيات صدقه ما يوجب على المسلمينالتمسك بهذا الدين الحنيف ليتأهبوا للنقلة فإن الساعة قد قربت وبدت أماراتها قالتعالى:
اقتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ القَمَرُ
[القمر:1].
وإذا ظهرت الأشراط الكبرى تتابعت كتتابع الخرز في النظام إذا انفرط عقده يقولالنبي: { وأيها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريباً } [رواه مسلم].
إن من أمارات الساعة بعثة المصطفىفقد ثبت عنهأنه قال: { بعثت أناوالساعة جميعاً وإن كادت لتسبقني
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: ( سيأتي عليكم زمان لو وجد أحدكم الموت يُباعلاشتراه ). ويقول النبي
: { إن بين الساعة فتناًكقطع الليل المُظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبحكافراً } [رواه أحمد].
وآخر هذه الأمة يصاب بالبلاء يقول النبي
: { إن أمتكم هذه جعلعافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها، وتجيء الفتنة فيرقق بعضهابعضاً، وتجيء الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنةفلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر }.
من أشراط الساعة: كثرة الزلازل، ويقع خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرةالعرب، ويكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل عذبة سوطه وشراك نعله، ويخبره فخذه بماأحدث أهله بعده، وتخرج دابة على الناس ضحى تكلم الناس أن الناس كانوا بآيات ربهميوقنون، ويقرب الزمان فتكون السنة كالشهر، والشهر كالجمعة، والجمعة كاليوم، واليومكالساعة، والساعة كاحتراق السعفة، ويكثر النساء ويقل الرجال، حتى يكون لخمسين امرأةالقيم الواحد، ويخرج يأجوج ومأجوج، في الصحيحين عن زينب بنت جحش أن الرسول
دخل عليها يوماًفزعاً يقول: { لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قداقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها }، ويقل العلم ويظهر الجهل حتى لا يعرف الناس فرائض الإسلام، يقولالنبي
: { يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولاصلاة ولا نسك ولا صدقة، ويُسرى على كتاب الله في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية،وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمةيقولون لا إله إلا الله فنحن نقولها } [رواه الحاكم وقال صحيح علىشرط مسلم].
ويستهان بالمحارم، ويستخف بالنواهي، فيشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويلقى الشح فيالقلوب، ويكثر الهرج وهو القتل، حتى لا يدري القاتل فيم قَتل ولا المقتول فيم قُتل،فقيل كيف يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: { القاتلوالمقتول في النار } [رواه مسلم].
وتشرئب أعناق البشر إلى الدنيا فيتطاولون في البنيان ويعرضون عن دين الله فيقعالشرك في هذه الأمة وتلحق قبائل منها بالمشركين، يقول النبي
: { لاتقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان } [ رواه الترمذي وقال حديث صحيح].
وإذا انسلخت عن دينها وأضاعت ملتها وتنكرت لشريعتها ضلت وتلمست الهدى من غيروحيها ويقول النبي
: { لا تقوم الساعة حتىتأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع } [رواهالبخاري]. ويكثر فيها الدجل والكذب، ويبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعمأنه نبي. وتسلب صفات محمودة في البشر فلا تكاد تؤدى الأمانة فيقال: { إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله وماأظرفه وما أجلده وما في قلبه مثقال حبة خردلمن إيمان } [رواهالبخاري]. ومن إضاعة الأمانة إسناد الأمر إلى غير أهله. ولا تقوم الساعة حتى تنفيالمدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد، وتترك المدينة عامرة على خير ما كانت لايغشاها إلا عوافي السباع والطير وآخر من يحشر راعيان من مُزينة يريدان المدينةينعقان بغنمهما فيجدانها - أي المدينة - وحشاً - أي خالية ليس فيها أحد
ليس بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجال، وما نبي إلا حذر أمته منه،وقد كان النبي يتعوذ منه في كل صلاة وقد أكثر النبي
من ذكره لأصحابه، قال النواس بنسمعان حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: { ما شأنكم }قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجالالغداة فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل - أي ناحيته - فقال: { غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجةدونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامروء حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم } [رواه مسلم].
وفي خفقة من الدين وإدبار من العلم يخرج مسيح الضلالة من جهة المشرق فيفر الناسمنه في الجبال، ويسير في الأرض، فلا يترك بلداً إلا دخله إلا مكة والمدينة فقد حرّمالله عليه دخولهما كلما أراد أن يدخلهما استقبله ملك بيده السيف صلتاً يصده عنهماعلى كل نقب من أنقابهما ملائكة يحرسونهما، وترجف المدينة ثلاث رجفات فيخرج منها كلمنافق وكافر وينزل في السبخة في الجرف ويكون أكثر من يخرج إليه النساء، حتى إنالرجل يرجع إلى حميمته وإلى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرجإلى الدجال.
أيها المسلمون:
إن للدجال فتنة عظيمة وإن معه نهران يجريان أحدهما تراه العين ماء أبيض والآخرتراه العين نار تأجج يقول النبي
: { فإما أدركن أحد فليأتالنهر الذي يراه ناراً وليغمص ثم ليطأطئ رأسه فيشرب منه فإنه ماء بارد } [رواه مسلم].
هذا وإن الذي يرى الناس أنه ماء فهو نار تحرق. يمتحن الله بالدجال عباده بمايخلقه معه من الخوارق المشاهدة في زمانه، ويقدره على أشياء من مقدورات الله تعالىمن إحياء الرجل الميت الذي قتله، ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته ونارهونهريه واتباع كنوز الأرض له، وأمره السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت،ومن لا يستجيب له يرد عليه أمره، تصيبهم السنة والجدب والقحط والقلة وموت الأنعامونقص الأموال والأنفس والثمرات، يقع ذلك كله بقدرة الله تعالى ومشيئته ثم يعجزهالله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل الذي أحياه بعد قتله ولا غيره.
يبتلي الرب به عباده في آخر الزمان فيضل به كثيراً ويهدي به كثيراً، لبثه في الأرض أربعون يوماً، يوم كسنة،ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم وإسراعه في الأرض كغيث استدبرته الريح.
وأما نعته: فشاب جسيم أحمر أجلى الجبهة عريض النحر، فيه دفأ - أي انحناء - جعدالرأس، كثير الشعر، أعور العين، كأن عينه عنبة طافية، لا يولد له
إن العصمة من الدجال بالتمسك بالإسلام والتسلح بالإيمان ومعرفة أسماء اللهوصفاته .فالمسيح بشر يأكل ويشرب،والله تعالى منزه عن ذلك، والدجال أعور، وربنا ليس بأعور، والله لا يراه أحد قبل أنيموت، والدجال يراه الناس
أكثروا من التعوذ من فتنته ومن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، وفيلفظ لمسلم{ من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف }، وفي لفظ{ خواتمها }{ عُصم من الدجال }وإذا سمعت بالدجالفانأ عنه، ولا تأته،:
إذا خرج الدجال في آخر الزمان كثر أتباعه وعمت فتنته، ولا ينجو منه إلا قلة منالمؤمنين، وعند ذلك ينزل عيسى ابن مريم في شرقي دمشق، عند المنارة البيضاء، ويلتقيحوله عبادُ الله المؤمنون، فيسير بهم قاصداً مسيح الضلالة ويكون الدجال عند نزولعيسى متوجهاً بيت المقدس، فيلحق به عيسى عند باب لُدِّ في فلسطين، فإذا رآه الدجالذاب كما يذوب الملح في الماء، فيقول له عيسى: إن لي فيك ضربة لن تفوتني.
فيدركه عيسى فيقتله بحربته وبقتلهتنتهي فتنته العظيمة
إن زمن عيسى بعد قتل الدجال زمن أمن ورخاء ، يرسل الله مطراً لايُكنُّ منه بيت مدر ولا وبر، ويقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذ تأكلالجماعة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرّسل - أي اللبن - حتى إن اللقحةمن الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحةمن الغنم لتكفي الفخذ من الناس.
وتقع الآمنة على الأرض فترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب معالغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، ويعد مكث عيسى عليه السلام في الأرض س